الدبدوب.. والتغيير ؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله

 

تأملت اليوم وجعلتُ أُفكِّر: هل الأفضل في هذه الحياة أن يعيش الشخص لتغيير نفسه، أم لتغيير الناس والعالم من حوله، أم لكليهما؟

الجواب البديهي عند الكثيرين: هو الخيار الثالث: ( كليهما )!

 

لكنني مع ذلك تساءلت: طيب هل الأفضل شويه (أي: قليلاً) في نفسه وشويه في الناس؟
وتساءلت: طيب ٧٠٪ نفسه و٣٠٪ الناس؟

 

ليس عندي جواب قاطع أستطيع أن أجيب به الآن، لكن توصلت إلى أن المهمة الأولى للإنسان هي أن يغيِّر نفسه، ثم يغيِّر نفسه، ثم يغيِّر نفسه، وعندها سيتغيَّر العالم!

كلمة (يغيِّر نفسه)، لا تعني: أن الشخص يعيش في حياة كئيبة ومحزنة وديناميكية.. لا! ليس هذا هو المقصود!

 

قصة الدبدوب

 

كنت أقول لأحد أصحابي: أنا أتخيل أن بداخل كل منا (دبدوب صغير)..
أنا شخصياً أتخيَّل (دبدوبي الشخصي) لونه سماوي، وصغير، وشكله حلو..

 
 

لكن للأسف، هذا الدبدوب مسكين 😦 ؛ لأننا لسنا مهتمين به!

نحن ولدنا ومع كل واحد منا دبدوب صغير، كل منا له ” دبدوبه” الخاص به، لكن للأسف، عند كثيرين، مذ أن كنا صغاراً، وكان هذا الدبدوب يُضْرَب، ويُشْتَم ويُحَطَّم بكلمات واستهزاءات مختلفة..

 

نشأ هذا الدبدوب،  للأسف، على أنه من غير اللائق أن تقدِّر نفسك، من غير اللائق أن تحب نفسك، من غير اللائق أن ترتكب الأخطاء، من غير اللائق أن تعبِّر عن نفسك أو أن تمدحها..!

 

وحينما جاء إلى فترة المراهقة، كان هذا الدبدوب، يحتاج من الآخرين أن يمدوا إليه أيديهم، لكنه للأسف، وجد أننا بدلاً من أن نمد إليه أيدينا، قمنا بكسر يده!!

ممم! وربما نحن كثيراً ما نفعل مثل هذا مع إخواننا أو أخواتنا في فترة المراهقة، حينما تتجدد عندهم الحاجات المختلفة، كالحب والحاجة للحوار، وتحمل المسؤولية…

حينما تستجد لدى المراهق أو المراهقة حاجة ( الحب )، فأكثر الناس في مجتمعنا أو كثير منهم، يبدأون بتبيين أن الحب حرام، وأنه عيب، ولا نتناقش معه ونوضح له أن الحب حاجة أساسية، وأنه ينقسم إلى أقسام: الحب للوالدين، الحب للإخوة، للزوج/ة ومدى الحدود في هذا…إلخ

ولم يفت الآوان بعد.. فيمكن إصلاح ما فات، بالبدء من اليوم 🙂


,,

 

كل منا يحتاج لأن يجلس مع هذا الدبدوب، يتكلم معه، يسعد معه، يعالج مشاكل هذا الدبدوب التي كان المجتمع سبباً فيها ـ في أحيان كثيرة ـ، من حيث لا يدري هذا ” الدبدوب المسكين ” ولا يدري هذا المجتمع!

 

يحتاج كل منا أن ينمي في قلب هذا الدبدوب الاحترام، ينمي في قلبه السعادة، الإصرار، العزيمة، الرضا، الحب، الحرية العدل… إلى آخر المعاني التي يحتاجها هذا الدبدوب لكنه للأسف يفتقدها!!

 

،،

 

باختصار: يحتاج أن يصاحب هذا الدبدوب..

 

ومصادقة الدبدوب هذه، ليست بكثرة قراءة الكتب، بل بالعيش مع الكتب..
القراءة من أكثر ما تساعدنا في اكتشاف ومصادقة وإصلاح هذا الدبدوب، لكن القراءة بالنسبة لهذا الدبدوب سياحة في بساتين العالم، وفي أنهار الدنيا، وفي غابات أفريقيا!

 

والكتب عند هذا الدبدوب أنواع كثيرة، لكن هناك نوعاً من الكتب، يحبها ( مرة )، و يعشقها ( جداً )، وهي الكتب التي تلامس احتياجات وتلامس ” قلب ” هذا الدبدوب، ولذلك يتأثر بها هذا الدبدوب، فيكون هذا الكتاب اللطيف، يدٌ مُدت إلى هذا الدبدوب ليرتقي..

 

هناك كتب حينما تقرأها وتعيش معاها ( وما يكون همك متى أخلِّص الكتاب ) ربما حينما تنتهي من قراءته تجد نفسك تحضن هذا الكتاب، وربما تساكبت عليه دمعاتك، فرحاً أو حزناً أو حباً أو امتناناً!

 

شخصياً، قرأتُ بعض الكتب ـ ربما كتاب أو اثنين ـ ببطء، لم يكن همي آخر الكتاب، بعضها لا أدري تماماً كم استغرقتُ في قراءته، لكني بحمد لله كنت مستمتعاً بقراءته، واستمتعتُ أكثر حينما كتبتُ عليه ورسمتُ، واستمتعتُ أكثر حينما استخرجتُ منه ـ بحمد الله ـ احتياجات ذاك ( الدبدوب )، وبدأتُ في تطبيقها، أو معالجتها..

 

نحن نحتاج أن نغيِّر أنفسنا.. بل أن نصادق أنفسنا، أن نبتسم لها، أن نصاحبها في الدنيا معروفاً، أن نتحدث إليها..

نحن بحاجة إلى ( سلام داخلي )..

وهذا ـ مرة أخرى ـ لن يأتي بكثرة عدد الكتب، أو بكثرة الحديث مع “الناس”، أو بالمشاركات الكثيرة في الأنشطة التطوعية… أو أو أو..
بل ـ إضافة إلى الكمية المقبولة مما سبق ـ بالتأمُّل بعمق في بعض الكتب والدورات والتجارب، و”بالاهتمام”، “بالاهتمام”، “بالاهتمام” بالدبدوب الذي بداخل كل منا.

 

المقصود بالدبدوب هنا هو: النفس اللطيفة الصغيرة التي بداخل كل منا، والتي في كثير من الأحيان نهملها، ولم أحب أن أعبِّر عنها بالنفس، لأنني أجد أن هذه الكلمة ( النفس )، قد تكون قاصرة عن المعنى الذي أريده. ووجدتُ أن ( الدبدوب ) كلمة أحب إليَّ..

14 responses to “الدبدوب.. والتغيير ؟؟

  1. مصادقة النفس ومعرفتها شيء ضروري حتى تستطيع اقناعها بالعمل الطيب وردعها عن الأعمال السيئة, وتقدير كل انسان لنفسه وتشجيعها يحفز الانسان للإنجاز والعمل

    • صدقتم (حتى تستطيع اقناعها بالعمل الطيب وردعها عن الأعمال السيئة)!
      ربنا يكرمكم ويبارك فيكم أختي سوسن

      تثرون التدوينات بتعليقاتكم المباركة
      🙂

  2. ( لطيفة جداً تسمية ” الدبدوب” )

    ” نحن بحاجة إلى سلام داخلي ”
    هذه الكلمة الأخيرة وحدها كافية ..
    لماذا يحطم الناس من جهة في ” الدبدوب ” و نحن من جهة أخرى !
    و إن لم يكن المرء صديق نفسه فقل “السلام عليه”
    سينشأ كارهاً للحياة تعيساً مُسيئاً و نافراً من كل ما يجعله يرتقي بذاته و بعيشه و مستقبله .
    باعتقادي أن قسوة المرء مع نفسه أشد وقعاً من قسوة الناس !

    نقطة قراءة الكتب و محبة نوع خاص منها حصلت معي كثيراً
    و وجدتُ حقاً بأن جزءاً من الكتب التي قرأتها و أحببتُها جداً هي التي لامست المفقود و جعلتْه موجود .

    أحببتُ كثيراً هذا النوع من التدوينات ..
    شكراً لكم .

    • أحسنتم أختي يسرى,, كلمات رائعة للغاية..
      أعجبني جداً (باعتقادي أن قسوة المرء مع نفسه أشد وقعاً من قسوة الناس !)
      وراق لي تحطيم الناس ونحن!!

      بارك الله فيكم على إثراءاتكم المميزة للتدوينات

      شكراً جزيلا 🙂

  3. روعة روعة روعة روعة..بجد بوست روعه

    اكثر شئ عجبني انك وضحت ان القراءة مش بسرعة تخليصها وانما بالاستمتاع بيها لدرجة بعد الأنتهاء منها تبكي أو تفرح..

    بجد بوست مميز

  4. السلام عليكم
    بارك الله فيك وجزاك الله عنا خير الجزاء ويارب يجعله في ميزان حسناتك
    ابدعت ابدعت ابدعة التعبير والتشبيه كان في قمة الروعة بارك الله فيك
    انا بإذن الله من اليوم سوف ابحت عن الدبدوب الي عندي وسوف اهتم بيه
    كلماتك جاءت في وقتها
    تحياتي

  5. لا أعلم يقينًا كيف أوصلتني السُبل لمدونتك.. فجاءة وجدتُ نفسي اقلب في تدويناتك ..
    أنت تكتب بروحك، الجميلة .. خسارة أنك انقطعت عنها ..
    أكمل مابدأته ودعّ الحياة تفعل ماتريد واستمتع بلحظتك هنا..
    شكرًا على جميع الكتب الموجوة . و حياة سعيدة في كل مكان تكون فيه ..

  6. بارك الله فيك كلام جميل و مقدر و سأعمل على الاستفادة منه في حياتي و لأولادي و سأنشر هذه المعاني إن شاء الله

أضف تعليق