بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
رأيت يوم أمس في معرض كتاب الرياض الدولي الشيخ محمد الداهوم، وبعد التحية قلت له: ( عرفتك بعد المصيبة التي حدثت ) وأقصد قصته مع د. عدنان إبراهيم، فضحك طويلاً وشكرني.
ودار بيننا حوار سريع حول موضوعه مع د. عدنان إبراهيم، أنقل لكم هنا طرفاً منه مع بعض التعليقات، مع ملاحظة أن ما أذكره هنا هي فهوم وآراء، وليس هو “حكم الله”.
قلت له: ( الحرب التي بينك وبين د. عدنان إبراهيم، أحبابك يأخذون المقاطع ويبينوا أنك أنت البطل وأن عدنان لا يعرف شيئاً، ومحبو عدنان إبراهيم يأخذوا المقاطع ويبينوا أنه هو البطل، وأنك لا تعرف شيئاً )، فتمتم مؤيداً وضحك.
وتحدثتُ معه بالطبع في موضوع عدنان إبراهيم، ووضحت له بعض آرائي حول المسألة، وسألني عن ماذا سمعتُ لعدنان إبراهيم، فأخبرتُه بما سمعتُه وأخبرته ببعض انطباعاتي.
وأنا قلت للأخ الشيخ محمد الداهوم أن: ( د. عدنان درس الفلسفة، وأنَّ القراءة في الفلسفة ودراساتها تخلي الواحد يفكر بطريقة ثانية مختلفة ).
وذكرتُ له أنَّ د. عدنان إبراهيم نفسه يقول عن نفسه: (أنني كثيراً ما أتناقض)! فتعجب الشيخ الداهوم.
وذكرتُ للداهوم، أنني كنت أرسلت رسالة إلى صفحة د. عدنان إبراهيم أسأله متعلماً لا متعنتاً إن شاء الله حول مسألة الردة وحرية الاعتقاد.
حيث أنني سمعتُ للشيخ محاضرة قديمة كان يثبت فلسفياً ومنطقياً أنه ليس هناك شيء اسمه حرية الاعتقاد (والحق! أن لحداثة الموضوع عليَّ لم أستوعب ما قاله د. عدنان ١٠٠٪)، وفي محاضرة أخرى يثبت بالأدلة الشرعية أن الحق الذي لا شك فيه بثبوت حد الردة.
ثم سمعتُ له محاضرة أحدث يقول فيه بعكس ما قال.
وأنا حينما أسأل هذا السؤال للدكتور عدنان لا أقصد إحراجه ـ أو حشكه والمعذرة في اللفظ ـ ( فقد تعلمتُ من القرآن أنَّ هذا ليس من الأخلاق )، لكنني سألته.. دعوني أطرح لكم الرسالة.
أستاذنا الكبير الدكتور عدنان إبراهيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو أن تكون وأحبابكم بأفضل صحة وأحسن حال
دكتور إبراهيم، كنت أود رأي حضرتك لنا معشر الشباب في ما موقف الشاب المسلم حينما يستمع لداعية أو عالم معين، فنجذ لهذا الداعية أو العالم رأياً قديماً في خطبة أو محاضرة، يقول عنه: أنه الحق الذي لا ريب فيه، وهو ما تقتضيه الأدلة، وأنَّ ما خلافه تمييع وتجاهل للأدلة ولعب بعقل الأمة!
ثم نجد الداعية أو العالم نفسه بعد حين، يقول تماماً بالرأي المضاد تماماً، ويقوم بتقبيح الرأي السابق ( الذي كان عليه بالطبع ! ) ويذكر من سوء الرأي السابق وتخلفه، ومخالفته للأدلة الصحيحة!! وأنه الحق الذي لا ريب فيه وأنه هو ما تقتضيه الأدلة وأن ما خلافه تدجيل، وتأجير لعقول الأمة لخرافات ووو
وأنا هنا لست أقصد مسألة القديم والجديد كما عند الشافعي، فهذه المسائل ليست فتوى تختلف زماناً ومكاناً، بل هو حكم شرعي.
وسأضرب لهذا مثالين جائتني بالصدفة مما استعمت لحضرتكم:الأول: مسألة نزول المسيح، حيث سمعت لحضرتكم في حلقات تفسير سورة البقرة أن هذا متواتر..إلخ ( وذهبتم إلى إثبات ذلك بالأدلة )، ثم سمعنا مؤخراً خطبة حضرتكم في الخطبة الأخيرة في هذا العام أبريل ٢٠١٢.
المثال الثاني: مسألة الردة، حيث سمعت لحضرتكم خطبة يظهر أنها قديمة ( صوت حضرتكم وكأنكم في بداية شبابكم، وإن كنتم لازلتم شبابا تبارك الرحمن )، تذكرون فيه مسألة عدم صحية مسألة ” حرية الاعتقاد “، وذكرتم لذلك تدليلات منطقية وفلسفية وشرعية، ثم في الخطبة التالية ذكرتم أنكم مع حد الردة، وكان يظهر في الخطبة حماسكم المعتدل إلى حد ما، لكن كان هناك اندفاع.
ثم سمعتُ لحضرتكم محاضرة أظنها ألقيت بحضور أحد السفراء في النمسا، والذي أذكره أنه كان لحضرتكم رأي مغاير تماما!
في كلا الموقفين كنتم تقولون، أو كنا نفهم من قولكم، أن هذا الحق الذي لا ينبغي مخالفته.
ما موقف الشاب/ الفتاة المسلم المفكر من هذا؟
وسلم الله تعالى لكم الأحباب.
نعود إلى لقائي مع الأخ الشيخ الداهوم، وأنا قلت له: (أنا شخص قرأت قليلاً في الدين، لكنني لستُ متخصصاً في الشريعة، وليس عندي الوقت الآن، لأدرس موضوع معاوية، وما معاوية ووو).
وأردفتُ: وقد قال لي خالي ـ أمتع الله بصحته وعافيته ـ: ( يا ابني أنا قرأت التاريخ ووجدت صعب إنك تتبيَّن الصح من الغلط )، وأنا تعلمت من القرآن أنَّه ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ).
وذكرتُ للشيخ الداهوم أنَّ د. عدنان إبراهيم يمثل مدرسة، وهو ينتهج نهجها.
وأنا كنت ولازلت أرى أن الإشكاليات بين المدراس الإسلامية يتجدد عبر العصور، لكن بأسماء مختلفة، فقديماً كان الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة، وبين الأشاعرة وأهل الحديث من جهة.
وأنا أرى أن الخلاف اليوم مستمراً في نفس المواضيع لكن بأسماء مختلفة!
ثم قلت للشيخ الداهوم: (يعني الآن نحن كثير منا يضيع عمره في معاوية وما معاوية؟ طيب ما مدى تأثير هذه المسألة إيجابياً وعملياً علينا)؟
أنا لا أنكر أن لهذه المسألة تأثيراً دراماتيكاً على الأمة. أعرف هذا! لكن سؤالي: أنت الأن عرفت أن معاوية شرير ماذا ستعمل في حياتك؟ وإذا عرفت أنه من أصلح خلق الله فماذا سيتغير في حياتك؟
أنا تعلمتُ من علماءنا أن العلم الذي “لااااااا” يثمر عملاً ليس منه فائدة.
أهل السنة كلهم مجمعون أن الحق كان مع سيدنا علي رضي الله عنه بالحديث المتواتر.. وهكذا طيب.
كثير من أهل التغيير في عالمنا العربي لم يدرسوا موضوع معاوية، ولكنهم في ذات الوقت حررهم القرآن من الظلم الفكري، الذي يدعي البعض أن معاوية سببه، لم يدرسوا موضوع معاوية لكن كان لهم أثر أيجابي كبير في الحياة.
خطر على بالي منهم مثلاً د. إبراهيم الفقي رحمه الله تعالى، فهذا الرجل لا أعرف أنه تكلم عن معاوية وما معاوية، وما أظنه درس هذا الموضوع، لكن تأثيره في العالم مشاهد ومعروف.
أما الذي يدعي أنَّ الذي لا يدرس موضوع معاوية فإنها سيتسلل إلى عقله الباطن ( الظلم واستساغته له )، فهذه دعوى، قد تكون صحيحة ؛ لو وجدتُ لها أدلة ” أدلة محترمة “، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( البيِّنة على من ادعى ؛ واليمين على من أنكر ).
وأنا قلت للشيخ الداهوم: ( أن معرفتي بوقوع الصحابة رضوان الله عليهم في الخطأ، من أكثر الأمور التي تريحني، لأنني تعطيني مساحة راحة، تعلمتُ منها أنَّ الواحد منا كبشر ممكن يغلط، لكن يرجع ويتوب ).
وأنا تعلمتُ كذلك من مسألة الصحابة، مسألة العدل، وأن الله تعالى لا يحابي أحداً (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)، وقولوا الحق ولو على أنفسكم.
وأنه لو أخطأ أحد الصحابة رضوان الله عليه أقول أخطأ.. والحمد لله، وليس استخراج التبريرات لهم لأبيِّن أنهم لا يخطأون. وإخراج التبريرات قد يعني في الـ subconscious، أي في اللآواعي أن صورتهم مهزوزة، وأننا نخاف عليها.
هل صورتهم مهزوزة لأجل أن نخاف عليها؟
ومن خلال حديثي معه وجدت الشيخ الداهوم: لا يثبت العصمة لأحد من الصحابة رضوان الله عليهم، بل ويقول بأنهم يخطأون.
بل كان يقول لي أنَّ ما جرى بينهم ممكن الواحد من الصحابة يكون فيه شيء من حظوظ النفس، وأنَّ النفس ممكن تضعف.
( شايفين الجملة السابقة دي: كلنا متفقين عليها، لكن ممكن في نفس الوقت كلنا نعمل مشاكل عليها)!!
إذن أيها الأحبة: دائماً ما نكون نتفقين على حاجات كثيرة لكن لأننا نتكلم من بعيد عن بعض ( ما في حوار وجه لوجه بأدب، وبدون تصعيد إعلامي ) فآذاننا في كثير من الأحيان تكون مصمومة عن سماع الطرف الآخر ولو كان حقاً.
وأنا من خلال متابعتي لهذا الموضوع وجدت أنَّ الطرفين متفقين في حاجات ومختلفين في حاجات.
الحاجات المختلفين عليها أدَّت بهم دون أن يشعروا subconsciously إلى الاختلاف في المتفق عليه.
بمعنى أنَّ الإختلاف في هذه الحاجات، أدت ببعضهم إلى الشطط، والـ overreacting، فيقوم الطرف الآخر بالغضب أكثر.
(قانون نيوتن: لكل فعل ردة فعل معاكسة له في الإتجاه مساوية له في المقدار).
يعني مثلاً: الكل متفق على أنَّ الصحابة غير معصومين.
لكن الاختلاف في التطبيق، ففي طرف من الطرفين يتكلم في أغلاط صحابة..
والطرف الثاني ( بحسب طريقة معينة في التربية: وطريقة تفكير تقول: إنه إن قلتَ عن شخص ما أنه أخطأ ؛ فأنت بالضرورة تنقص من مقامه )، فيقوم الطرف الثاني بتوضيح: ( أنه يا أخي هؤلاء ناس قدوات كيف تنقص من قدرهم )؟
(لاحظوا كيف اللخبطة؟ الطرف الأول قال إنهم عملوا أغلاط، الطرف الثاني فهم للأسف إنو قصدوا نقص من قدرهم. وبحسب الرياضيات فإن المعطيات هذه لا توصل لهذه النتائج ).
المهم: فيرد الطرف الأول: (يا حبيبي أنا والله ما بأجيب شيء من عندي، بل قال الإمام فلان وفلان أنَّ الصحابي الفلاني أخطأ)!
(وقام الطرف الأول أعماها من حيث يريد تكحيلها ـ كما يقولون عندنا في الحجاز ـ )
فيقوم الطرف الثاني يفهمها غلط: ( شفتوا يا جماعة! ما قلتلكم إنو الطرف الأول يكره الصحابة ولا يحبهم، بل إنه يبحث ويبحث في أخطائهم أكثر).
مع إنو الطرف الأول بحث في أخطاءهم أكثر عشان يوضح للطرف الثاني أنَّني ما قلتُ ما قلتُ حقداً أو بغضاً لكن هذه حقيقة!
وهكذا تكبر الحروب دون أن نعرف!
وهكذا يصل الحال عندما لا نسمع لبعضنا، أو نسمع من الآخر ما نريد أن نسمع.
ولمن أراد أن يفهم ما أقول بشكل خرافي فليعد إلى العادة الخامسة من عادات ستيفن كوفي، والتي يوضح فيها كوفي كيف أننا أحياناً نسمع ونحن لا نسمع، ولو استطاع أحدكم الرجوع إلى شرح كوفي لها بالفيديو فهو أفضل.
أخيراً، الشيخ محمد الداهوم ود. عدنان إبراهيم، ليس بيني وبين أحد منهم نسب، الذي بيني وبينهم أخوة الإسلام.
وأسأل الله تعالى أن يجمعنا جميعاً وإياكم في جنة الخلد مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
والحمد لله رب العالمين
الجمعة ٨ / مارس / ٢٠١٣ م..