بسم الله الرحمن الرحيم
جمعة مباركة 🙂
وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
المقالة التالية كتبتها في إحدى المنتديات قبل قرابة 6 أشهر، واليوم أنقلها إلى هنا 🙂
—
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود اليوم طرح عرض لكتاب (الدولة الأموية: عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار) للدكتور علي محمد الصلابي
وتدوين النقاط الإيجابية والمميزة في طريقة تأليف الدكتور الصلابي.
- غلاف الكتاب
ملاحظة:
يمكنك في هذه المقالة، قراءة عناوين الفقرات []، والتركيز على الأكثر أهمية بالنسبة لك، وتجاوز الأقل.
[بداية قصتي]
وتبدأ القصة، حين كان يرشدنا أحد أساتذتنا إلى أهمية القراءة في التاريخ، وأن «التاريخ يكرِّر نفسه»، وأحببتُ أن أطلع “أكثر” على تاريخ «أمتي» الذي لم أشهده!
وأعظم تاريخ لأمتنا هو ذاك التاريخ الناصع، الرائع الماتع، تاريخ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم.
يلي ذلك، تاريخ الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين، ذاك العصر المجيد، الذي ما فتأ أهله أن يسيروا على «خطى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم».
بعد ذلك، كانت الدولة الأموية..
فأحببتُ أن أسمع عنها، فلم أجد بين يدي إلا شرائط الدكتور الدعيج، فاقتنيتُها، لعلي أسمع الأحداث، وكأني بينهم!
لكنَّ الألبوم – وهذا رأي شخصي – لم يرق لي، لأسباب ذكرتها في مناسبة سابقة.
ولذلك أحببتُ القراءة عنهم!
ولكنني لم أكن أحب أن “أقرأ” مجرد سرد تاريخي بحت!
ما الفائدة من السرد التاريخي دون الوقوف على المعاني والعبر؟
ما الفائدة من إزهاق الدقائق والثواني في قراءة تاريخ دون استفادة، أو استجداد فكرة؟!
قال الله تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة)!
حينئذ، سألتُ عن أفضل الكتب للدولة الأموية؟
فأجابني الإخوة – جزاهم الله خيراً – بكتب رائعة.
منها على سبيل المثال:
– الدولة الأموية والأحداث التي سبقتها ومهدت لها ابتداء من فتنة عثمان / د. يوسف العش.
كتاب عبد الحليم عويس، بنو أمية في التاريخ .
كتاب محاضرات محمد الخضري بك . الدولة الأموية
[ما الذي أعجبك في كتاب الصلابي؟!]
ولكني اليوم أردتُ أن أقف أكثر مع الدكتور علي الصلابي، وكتابه الدولة الأموية..
❊ فقد هالني فيه عدد مراجعه الـ 700!
❊ وكذا هالني أسلوبه في التأليف وفي سرد الأحداث! فلم يسردها من الطبري وابن كثير لكنه كان يتخيّر الجمل الأفضل.
❊ وأسلوبه في الترتيب وفي تقسيم الكتاب.
❊ وفي استخراج العبر.
❊ وأعجبت كثيراً بروحه الإسلامية.
❊ وبجودة الطبعة التي اقتنيتها ؛ والتي تساعدنا كثيرًا في إدراك تقسيم الكتاب.
وأخوكم يقتني طبعة المكتبة العصرية، ذات المجلدين واللونين.
[هلا فصلّتَ لنا تلك المميزات!]
وأحببتُ أن أبين مميزات الكتاب والمؤلف، وذلك لسببين:
(١) عرض للكتاب فيكون القراء على بصيرة بالكتاب، ومميزاته.
(٢) توضيح النقاط الإيجابية في طريقة تأليف الدكتور الصلابي ؛ فيقتفي أثره -أو بعض أثره- من أراد التأليف.
الميزة الأولى: (كثرة المراجع):
تجاوزت مصادر كتاب الدولة الأموية للصلابي أكثر من 700 مصدر!
وهذا جعل الكتاب يرى الحادثة بأكثر من زاوية!
فكما أنه اعتمد اعتماداً كبيراً على كتب التاريخ المعروفة كـ «ابن جرير» و «ابن كثير» اعتمد كذلك على كتب شرعية «أحكام القرآن لابن العربي» وكتب إدارية «الإدارة في العصر الأموي لخماش»، وكتب حديثية «أصول الحديث لعجاج الخطيب»..
أضف إلى أنه استغل مثلاً، بعض الأحداث في توظيف كثير من النصوص الصحيحة النبوية.
انظر مثلاً تبيينه لحادثة مقتل الحسين رضي الله عنه، حيث جاء النص التالي – بتصرف – :
«يوم عاشوراء: وهو اليوم العاشر من محرم الحرام،وقد ابتدع فيه بدع منكرة، وهلك فيه طائفتان بين إفراط وتفريط طائفة تجعله يوم فرح وسرور وأخرى يوم حزن ونياحة.. إن الإسلام علمنا آداب المصائب ومقتل الحسين رضي الله عنه مصيبة عظيمة، فمن آداب الإسلام في المصائب.
1 ـ الصبر عليها، 2 ـ احتساب المصيبة والصبر عليها، 3 ـ الاسترجاع ودعاء المصيبة رسول الله. 4 ـ اجتناب كل ما يغضب الله….»
فقد استفاد من هذا الموقف في 3 أمور:
– توضيح الموقف وملابساته (سرده)
– توضيح ما فعله الناس تجاه هذا اليوم.
– توضيح العمل الصحيح الذي ينبغي فعله في مثل هذا الموقف!
– إحاطته بالجانب الفقهي والعبادي والأخلاقي في الحادثة.
كل هذا دون إسهاب ولا تطويل، ولا إدراج ما ليس من الحادثة فيها.
الميزة الثانية: (أسلوب العرض وسرد الأحداث):
الرجل يأخذك في السرد التاريخي وكأنك تشاهد المشهد!
يصفه لك وكأنه أمام عينيك!
يصفه ويبيِّنه ويوضِّح لك «بشيء من التحليل» قيمته وتأثيره في النتائج!
إنه لم يسردها من الطبري وابن كثير لكنه يرى الجمل الأفضل، والعبارات الأقوى فيصوغها ويسبكها سبكاً ؛ وكأنك أمام قطعة ذهبية فاتنة!
وهذه نقطة يستفيد منها المؤلفون إذا تأملوها!
الميزة الثالثة: (أسلوبه في الترتيب وفي تقسيم الكتاب):
فترتيبه ممتع، يتسم بـ «الوحدة الموضوعية» و «لم شمل الموضوع».
فمثلاً في الفصل الأول والذي خصصه لسيدنا معاوية رضي الله عنه (من مولده حتى نهاية الخلافة الراشدة) ثم الفصل الثاني (بيعة معاوية وأهم صفاته ونظام حكمه، السياسة الداخلية له…)
فأنت تستطيع أن تعتبر هذا كتاباً كاملاً عن «معاوية» رضي الله عنه، وهو كذلك فعلاً.
وكذا يفعل مع بقية الشخصيات المهمة، يلم شتات حياتها العريضة في ترتيب يجعلك تتصور هذه الشخصية!
ولنأخذ مثالاً ثانياً، أودُ منكم، إضافة لملاحظة «الوحدة الموضوعية» و «لم شمل الموضوع» أود أن تلاحظوا مسألة «جملة الموضوع» topic sentence، وهي جملة تصاغ بحيث تلخِّص أهم مافي الفقرة، التي هي في الحقيقة شرح وأمثلة…إلخ للعنوان الرئيسي.
[وهي طريقة كتابة كثير من الكتب الغربية المتقنة]
«عهد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز
المبحث الأول: من الميلاد إلى خلافته.
أولاً: اسمه ولقبه وكنيته وأسرته:
١) والده. ٢) أمه. ٣) ولادته ومكانها: ٦١هـ، المدينة ٤) أشج بني أمية. ٥) إخوته. ٦) أولاده. ٧) زوجاته. ٨) صفاته الخلقية.
ثانياً: العوامل التي أثرت في تكوين شخصية عمر بن عبد العزيز… »
وهكذا يسير الصلابي في تأليفه، وقد ساعدته هذه الطريقة لاستلال بعض الفصول المهمة، وجعلها في كتاب مستقل (ككتاب معاوية رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز).
فأنت تعرف الفصل من عنوانه أو «جملة الموضوع» topic sentence
وتستيطع أخذ فكرة سريعة عن الموضوع فقط! بقراءة رؤوس الفقرات!
الميزة الرابعة: (استخراج العبر):
عنوان الكتاب (الدولة الأموية: عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار)! وهذا ملازم للكتاب ؛ فتجده في نهاية كل حادثة مهمة «أسباب فشل حملة سليمان بن عبد الملك للقسطنطينية»، «الدروس المستفادة من وادي لكّة»، «بماذا انتصر المسلمون؟» و«أسباب دخول الإسلام في البلاد المفتوحة».
ويذكر في الأخيرة تحليلاً حضارياً، لا شرعياً فحسب! فيقول: (١) عالمية الدعوة. (٢) المعاملة السمحة الكريمة. (٣) إشراك أبناء البلاد المفتوحة في إدارة بلادهم…
الميزة الخامسة: (روحه الإسلامية):
فهو ليس مؤرِّخ ؛ بل مؤرِّخ إسلامي، يرى الأمور من النظرية الإسلامية، فيرى الانتصار ويتساءل: «بماذا انتصر المسلمون؟» ويجيب: «امتداد طبيعي للأسس المتينة والقواعد الراسخة لفقه النهوض الذي أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكمل بناؤه الخلفاء الراشدون، وكانت الأمة وكثير من حكامها يعيشون لأجل العقيدة والدعوة الإسلامية وقد انتصر المسلمون بالإسلام نفسه، فهم قد فهموه فهماً صحيحاً دقيقاً وطبقوه على أنفسهم فأنشأ منهم خلقاً جديداً، غير النفوس والقلوب والعقول، وحررها من الوثنية وعبادة غير الله وفتح أمامهم آفاق الإيمان والعمل فاندفعوا يحملون رسالة التوحيد إلى الإنسانية»، ولا نزكي الرجل، بل نحسبه كذلك.
الميزة السادسة: (جودة الطباعة):
جودة الطبعة التي اقتنيتها (ذات اللونين) والتي تساعدكم كثيرًا في إدراك تقسيم الكتاب.
ملاحظة: دور كثيرة التي تطبع كتب الدكتور الصلابي، منها السورية، ومنها اللبنانية ومنها المصرية ؛ وبأسعار مختلفة وجودات مختلفة.
# العوامل التالية اعتبرها حين شراءك:
❊ لون/لونان؟ في حين أن طبعاتٍ للكتاب بلونين (كالمكتبة العصرية، ودار المعرفة ودار ابن كثير)، تجد أخر بلون واحدٍ.
❊ الدار؟ هناك كتب لحداثتها – في ظني – لم تطبعها إلا داراً واحدة، بحيث تكون هي النسخة الوحيدة.
❊ أي الكتب؟ احرص كذلك على التفكير قبل الشراء هل الكتاب مستقل أم مستقل؟
بمعنى أن بعض الكتب تكون “مستلة” من كتب أخرى ؛ وإنما أفردت واستُلت لأهميتها.
مثلاً: سيرة سيدنا معاوية رضي الله عنه هي جزء من كتاب الدولة الأموية، ولعدم رغبة بعضهم في شراء كتاب الدولة، تم تخصيص كتاب “مستل لسيرته فقط. وللأمانة فإنَّ الدكتور الصلابي ينوه في أول كتبه على ذلك.
❊ كتاب أم سلسلة؟ هناك كتب تباع كسلسلة، مثلاً: سلسة السير (٦٠ دولار = ٢٢٥ ريالاً)، والتي جمع فيها السيرة النبوية والخلفاء والحسين ومعاوية وعمر بن عبد العزيز، تكون بسعر مقبول، فإذا أردتَ شراءها – حاضراً آو مستقبلاً – فاحرص على هذا لئلا تشتري نسختين.
أخيراً…
شخصياً، أعتبر الصلابي «مؤلِّفاً مبدعاً» ؛ وقد نال جائزة جائزة الشباب العالمية لخدمة العمل الإسلامي نظير إسهامته العلمية..
[الخلاصة]
إننا بحاجة عند الكتابة في أي موضوع من:
❊ التمكُّن.
❊ عرض المادة بأسلوب صحيح.
❊ الحيادية (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا)!
❊ اختيار طريقة طباعة مناسبة «الجودة، الألوان، دار النشر..»
لم أستطع وأنا أقرأ في الكتاب إلا أن أسطر هذا الإبداع والجمال.
شاكراً للدكتور الصلابي جهده.
ولكم قراءتكم..
ولربي سبحانه على نعمه..
(فَلِلَّهِ الحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ العَالَمِينَ ❊ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ في السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيم)
، وتشرفتُ وتحدثت عنه 
«مرثد» 